مقترحنا حول كيفية تحويل القرن الحادي والعشرين إلى عصر المرأة؛

الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية

بعبارة أخرى، إننا نتحدث عن تحالفات نسائية ديمقراطية، يتم تشكيلها على هدى “الكونفدرالية إننا نمر بمرحلة تاريخية. وما يجعل عصرنا تاريخياً هو آفاق التغيير التي يحتويها. إذ نشهد تقلبات ملحوظة في العديد من مجالات الحياة، بدءاً من المجتمع وحتى السياسة، ومن الاقتصاد إلى البيئة. وحيثما يتواجد الحِراك، يكون هناك التغيير أيضاً. ولكن، لصالح مَن سيكون هذا التغيير؟ هل الحداثة الرأسمالية هي التي ستنفذ من هذه المرحلة أقوى، أم الحداثة الديمقراطية؟ إن ما سيحدد ذلك هو النضال النسائي الريادي في سبيل الحرية والديمقراطية والبيئة، ومستوى التنظيم النسائي في هذا النضال. بالتالي، فإن الحقيقة التي تمنح آفاق وسِمَة “اللحظة التاريخية” لعصرنا، هي حقيقة مصيرية ومليئة بالفرص بالنسبة لنا نحن النساء بالدرجة الأولى. ذلك أنه، وربما لأول مرة في التاريخ، أصبحت شروط تحقيق الثورة النسائية ناضجة للغاية. إلا إن تحويل القرن الحادي والعشرين إلى عصر الثورة النسائية يبدو صعباً مع المستوى النسائي الحالي من التنظيم والنضال،  لأننا لم نصل بَعدُ إلى مستوى التنظيم والنضال المتكامل، وما يزال هناك تشتت وتشرذم جدي بين الحركات النسائية، أكان على المستويات الوطنية أم الإقليمية أم العالمية. وما هو ضروري للتغلب على هذا، هو بناء نظام الديمقراطي يتم فيه تنظيم النضال النسائي

النظام الذكوري السلطوي وقضية الحرية
غالباً ما يُعمَلُ على تلقيننا بأن السلطة والاستغلال والقمع والهيمنة هي ظواهر طبيعية وأبدية، وكأنه يُقال لنا: “هكذا كان الأمر، وهكذا يبقى”، وكأنه لا جدوى من النضال في سبيل المساواة والحرية، وأنه لا يمكن التغلب على نظام الاستغلال، وأنه يستحيل أن يوجد شيء قبل أو بَعدَ السلطة الأبوية والرأسمالية. لكننا نعلم يقيناً أن النساء الحكيمات كنّ موجوداتٍ من قبل، على رغم محاولات تدمير ذاكرتنا بعد إبادة هؤلاء النساء الحكيمات على مر العصور. ذلك أن البشرية عاشت على شكل مجتمع طبيعي طيلة آلاف السنين، قبل الصعود المتزامن والمتوازي للسلطة الأبوية والدولة والمدنية. والثورة النيوليتية، التي برزت في ميزوبوتاميا العليا قبل الميلاد بـ10 آلاف سنة تقريباً، هي في جوهرها ثورة نسائية. وعبور التجمعات البشرية نحو الاستقرار اعتماداً على الزراعة بريادة النساء، إنما يعني إعادة تنظيم الحياة الاجتماعية ككل. هذا المجتمع النيوليتي، الذي ظهر في مناطق جغرافية مختلفة وعلى فترات مختلفة، كان مجتمعاً أمومياً وبعيداً عن الأشكال المؤسساتية للسلطة والهيمنة. لذا، من الخطأ تسميته بمجتمع السلطة الأمومية. وبدلاً من ذلك، فإن المرأة كانت تحظى بالاحترام والود العظيمَين، نظراً لدورها الريادي في تنظيم الحياة الاجتماعية، فضلاً عن كونها تجسد سرّ الطبيعة وعظمة الحياة في جسدها. ويبدو أن القطع الأثرية المتبقية من تلك الحقبة، لاسيما تماثيل الإلهات الإناث، والتي ترمز إلى المرأة التي نجحت في إنجاز الثورة النيوليتية؛ إنما تؤكد هذه الحقيقة. بالطبع، لا يمكننا معرفة أو جزم تفاصيل مجمل الحياة الاجتماعية حينذاك، إلا إنه ثمة حقيقة أساسية كشفت عنها الأبحاث الأمومية الجارية في الأعوام المئة الأخيرة، وكذلك البحوث الأثرية والأنثروبولوجية التي تسلط الضوء على عصور ماقبل التاريخ، ألا وهي: قبل حقبة الهيمنة الأبوية الممتدة لخمسة آلاف عام، هناك مجتمعات طبيعية أمومية استمرت لفترة أطول بكثير، بحيث لم تعرف الشكل المؤسساتي للهيمنة والسلطة والاستغلال، بل وسادتها الحرية والديمقراطية وصداقة البيئة كحقيقة قائمة، وليس كحلم أو رغبة

بدأ شكل حياة المجتمع الطبيعي الممتد لآلاف السنين بالتدهور، اعتباراً من بروز ثقافة العُبَيد بين الأعوام 5000 – 4000 ق.م. لم يحدث هذا التدهور تلقائياً، بل نتيجة قيام الرجال الماكرين بسلب وسرقة القيم المجتمعية التي نشأت بريادة النساء. ومع انتشار حضارات الدولة في كل مكان بدءاً من سومر في جنوب ميزوبوتاميا، بدأت الهيمنة الذكورية بالتمأسس. وتكشف القصص الميثولوجية لتلك الحقبة عن مرحلة الانتقال من المجتمع الطبيعي الأمومي إلى مجتمع السلطة والمدنية الأبوية، من خلال الصراعات بين الإلهات الأمهات والآلهة الملوك

تُعَدُّ مشكلة المرأة من أقدم المشاكل الاجتماعية، وتُشَكِّل التناقض الأساسي ضمن النظام المهمين. إنها بمثابة أم المشاكل. فبِصِفَتِها كائناً اجتماعياً، تُعَدُّ المرأةُ أولَ عبد وأول طبقة وأول مستعمَرةٍ في التاريخ. إذ لم تتعرض أي سلالة أو طبقة أو أُمّة لعبودية ممنهَجة مثل ما تعرضت لها الأنوثة. ومع استعباد المرأة، تم الانتقال إلى مرحلة المشاكل الاجتماعية التي لا تميز بين الجنسين. إن المرأة المستعبَدة تكمن في مصدر المُلكية. أي أن العبودية والمُلكية انتشرتا من خلال المرأة في جميع الأرضيات الاجتماعية، فتعششت أفكار ومشاعر الاستملاك والاستعباد في عقلية وسلوك المجتمع والأفراد. هكذا أصبح المجتمع مناسباً لجميع أنواع البنى التراتبية والدولتية. ولم يكن الخاسر الأوحد هو المرأة فحسب، بل خسر المجتمع بأكمله، عدا حفنة من القوى الهرمية والدولتية. وبينما تعززت الهرمية والتمايز الطبقي بشكل متداخل في المجتمع، فقد تَرَكَ التحيّز الجندري والتمايز الطبقي بصماتهما على كل المجالات الاجتماعية تقريباً. هكذا بدأ العبور نحو حقبة المجتمعات الإشكالية، وتصاعدت ظاهرة القمع والاستغلال من مجتمعٍ إلى آخر. أما المدنيات الناشئة مع تطور المدن والطبقات والدول، فأضفت الطابع العالمي على المشاكل، وصَيَّرَتها نظاماً سائداً. يمكننا تعريف جميع أنظمة المدنيات السائدة في العصور الأولى والوسطى بالتأسيس على القمع والاستغلال. أما الحداثة الرأسمالية، وباعتبارها آخرَ نظامٍ للمدنية، فأوصلَت القمع والاستغلال إلى ذروتهما. لقد أفضت المشاكل الاجتماعية في كافة مراحل المدنيات الدولتية عموماً، وفي مرحلة الحداثة الرأسمالية خصوصاً، إلى الأزمات والأجواء الفوضوية الطويلة الأمد. أما مرحلة رأس المال المالي، الذي يترك بصماته على الحداثة الرأسمالية في راهننا، وبخاصة بدءاً من سبعينيات القرن العشرين، فتُعَدُّ المرحلة التي تشهد أعمق وأشد أنواع الأزمات الاجتماعية المتواصلة.

إن الظاهرة التي تنعكس فيها الحالة المتأزمة للحداثة الرأسمالية بالأكثر في راهننا، هي ثنائية حرية المرأة وعبوديتها. فهذا الوضع ليس محض صدفة، بل يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمرأة وبنظام العلاقات والتناقضات الناشئ حولها. بما أن قضية المرأة تشكل الخلية النواة لجميع القضايا الاجتماعية، فإن المرأة تُعَدُّ الكيان الاجتماعي، الذي يعاني فيه النظام المهيمن من التناقض البنيوي الأعمق. لهذا السبب، فإن حرية المرأة تُشكِّل المجال الوحيد الذي يمكن فيه حل كل العُقَد بحيث تصل قضية الحرية إلى حل حقيقي. إن هذه ليست مقاربة اختزالية، بل هي حقيقة تتجلى عندما يتم التحليل العميق للعلاقة الدياليكتيكية بين حرية المرأة والحرية المجتمعية. بالتالي، يجب على كل حركة تناضل من أجل الحرية الاجتماعية والعدالة والديمقراطية، أن تضع حرية المرأة في أجندتها المحورية، إذا كانت تتطلع إلى النجاح. والسبب الأساسي وراء التنامي الملحوظ لسَعي النساء للحرية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، يعود إلى إصرار عالَم الهيمنة الذكورية على شرعيته بنحوٍ غير مسبوق. بل حتى إن الأيديولوجية الذكورية السلطوية وانعكاساتها في الحياة تؤدي إلى تفاقم قضايا المرأة أكثر فأكثر

عصرنا يُحَتِّم الريادة النسائية

إن الحداثة الرأسمالية، التي تُعَدُّ التعبير الحالي عن مجتمع المدنية الدولتية وعن النظام الأبوي المُعَمّر خمسة آلاف عاماً، تشهد أزمة بنيوية. فالرأسمالية القائمة على قانون الربح الأعظم، تحتاج كنظام إلى النمو الدائم وتحقيق المزيد من الأرباح، وبالتالي إلى استغلال المزيد من الموارد البشرية والطبيعية. ذلك أن وجودها يقتضي ذلك. إلا إن الاستغلال اللامحدود غير ممكن، لأن البشر والطبيعة ليسوا مجرَّدين من حماية الذات. وعليه، فمن الخطأ قراءة تاريخ الخمسة آلاف سنة الأخيرة على أنه تاريخ الحكام فقط. ذلك أنه هناك أيضاً تاريخُ مقاومةِ أولئك المدافعين عن الحياة الحرة ضد شتى أنواع هجماتِ النظام السلطوي الدولتي المهيمن. أما تاريخ هؤلاء المقاوِمين، والذين يمكننا تسميتهم بـ”المجتمع الديمقراطي”، فهو أقدم بكثير من تاريخ النظام الاستغلالي. وهذه هي الخلية النواة التي نعتمدها أساساً

إن الأزمة البنيوية، التي يعانيها النظام الرأسمالي العالمي في راهننا، تنعكس على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على شكل الحرب التقسيمية الثالثة. وبالمقابل، فإن صعود الأنظمة اليمينية في بقية أنحاء العالم يتجلى في الاستغلال المتزايد وفي الهجمات الممنهجة على الديمقراطيات والحريات المنتَزَعة بالنضال. هذا وتتجسد النتائج المباشرة للنظام الرأسمالي العالمي في: الحروب المتزايدة، النزعة المليتارية، الأنظمة المعادية للديمقراطية، الانقلابات الفاشية، سياسات الهجرة والتهجير القسري، الوفيات، الكوارث المناخية، إبادة الطبيعة، هجمات الإبادة الجماعية، الفقر، والعنف. فاليوم هناك حوالي 83 مليون شخصاً مُهَجَّرين ويعيشون كلاجئين. ويتواجد واحد من بين كل ستة أطفال في منطقة الحرب أو النزاع. وقد لقي مالا يقل عن 135 ألف شخصاً مصرعهم في العام 2020 فقط، جراء الحروب والنزاعات المسلحة. وفي كل دقيقةٍ يتم تدمير غابة بحجم 30 ملعب كرة قدم. ويعيش عُشرُ سكان العالم في فقر مدقع وجوع مفرط. حتى هذه الأرقام لوحدها تُظهِر بوضوحٍ أن البشرية في يومنا تواجه حالةَ حربٍ شاملة. وعليه، فإن النظام (أو اللانظام) الذي نسميه الهيمنة الرأسمالية العالمية، يشكل في جوهره نظامَ حرب

إن حقيقة النظام المهيمن، الذي يتسبب بالأزمات الدائمة، إنما تطال النساء في راهننا أكثر من غيرهن.  وبالأصل، فإن الحداثة الرأسمالية تشكل أكثر مراحل تاريخِ المدنية التي تُعَرِّض النساء للاستغلال بكثافة. ولكن، من عظيم الأهمية بالنسبة لنا أن نحلل بعمقٍ المستوى الذي وصلت إليه راهناً ظواهر التمييز القائم على النوع الاجتماعي وعداء النساء وإبادة النساء. ذلك أن النظام الرجولي المهيمن قد حشد كل الوسائل والفرص المتاحة له على أساس العداء للنساء. وقد شهدنا هذه الحقيقة بكل جلاء على المستوى العالمي خلال فترة جائحة كوفيد19 (كورونا). بل حتى أن المؤسسات الدولية تُقِرُّ بأن العنف ضد المرأة وصل إلى مستوى الوباء. فوِفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد قُتِلَت 81 ألف امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم خلال العام 2020. وقد قُتِلَت 47 ألفاً منهنّ على يد أزواجهنّ أو أحبائهنّ أو أفراد عوائلهنّ. أي أنه كل 11 دقيقة تُقتَلُ امرأةٌ أو فتاة على يد أقرب المقرَّبين إليها. هذا وتشير التقديرات الراهنة إلى أن واحدةً من كل ثلاث نساء (أي ما يعادل بالأرقامِ 736 مليون امرأة) تعرَّضَت للعنف الجسدي و/أو الجنسي مرةً واحدة على الأقل في حياتها على يد زوجها أو عشيقها. ووفقاً لنتائجِ دراسة استقصائية أُجرِيَت في العام 2019، فإن التحرش الجنسي والعنف الجنسي والعنف الجسدي تأتي في مقدمة المشاكل (بنسبة 22% إلى 30%) التي تعاني منها النساء والفتيات. كما يُستخدَم العنف الجنسي كسلاحٍ ممنهج في حالات الحرب والاحتلال، بحيث يتم اختطاف النساء كغنائم، وبيعهنّ في أسواق النخاسة، ويتعرضن للاغتصاب المستمر، وذلك بعد مرور قرون عديدة على نهاية العصور الوسطى. وبينما يمكن القضاء تماماً على الجوع من خلال التوزيع العادل للموارد، فإن ملايين البشر يعانون الفقر والعوز. هذا وقد نمَت الفجوة بين الرجال والنساء على صعيد الفقر بنحو 9% مع ظهور جائحة كورونا، بحيث تجذّرت ظاهرة تأنيث الفقر بدلاً من التغلب عليها وتجاوزها

إلى جانب ذلك، ثمة هجوم ممنهج للغاية على الحقوق النسائية المكتَسَبة في جميع أنحاء العالم. فمقابل مبدأ المساواة بين الجنسين، تظهر أمامنا في مناطق مختلفة من العالمِ حركاتٌ تحاول حصر دور المرأة في الأمومة والزيجة، أي في وجودها البيولوجي؛ معتمدةً نفسَ الحجج والذرائع، على رغم اختلاف أقنعتها. فانسحاب الدولة التركية من اتفاقية إسطنبول، ونيةُ بولندا القيامَ بذلك أيضاً، وعداءُ المرأة لدى التيارات المتقنّعة بالدين في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية؛ إنما يستند إلى نفس العقلية. وعليه، فإن الأيديولوجيات الرئيسية للحداثة الرأسمالية (أي التمييز القائم على النوع الاجتماعي، التطرف القومي، العصبية الدينية، والعلموية) تعمل في وئامٍ وتُكمِلُ بعضها بعضاً

هذا جانبٌ من الميدالية. وبالمقابل، فإننا نرى على صعيد الوعي والنضال الملموس مقاومةً وتنظيماً نسائياً وصل إلى مستوى أرقى من كل وقتٍ مضى من ناحية التطلع والسعي إلى الحرية. وهذا تحديداً ما يبثّ الذعر في النظام الرجولي المهيمن، ويهزّ عرشَ وجوده. ذلك أنه كلما تقَدَّمَ وتطوَّرَ النضال النسائي من أجل الحرية والمساواة، كلما تضاءَل وتناقصَ النظام الرجولي السلطوي المهيمن. وعليه، فإن النظام الرجولي المهيمن، الذي يشعر بأنه يواجِهُ تهديداتٍ ومخاطر وجودية، يشنّ بالمقابل حرباً عدوانيةً شاملةً ضد النساء. ومن ناحية أخرى، فإن حالة الأزمة البنيوية التي يعانيها، تفضي إلى اتّباعه سياسةً أكثر حِدّةً من حيث العنف والترهيب ضد النساء، لأن وجودَه يقوم أساساً على استغلال النساء

لذا، وبينما ينمو نضال حرية المرأة كماً ونوعاً، ويحقق مكاسب كبيرة من جهة؛ فمن الجهة الأخرى تشن العقلية الأبوية ونظامها هجوماً ممنهجاً ومنظَّماً بهدف نسف تلك المكاسب، وتُصَعِّد عداءها للنساء. في الواقع، إنها تسعى إلى نسف خيار الحياة الحرة للمجتمع ككل، متجسداً في شخص المرأة. وعليه، فإن النساء لا ينتفضن اليوم دفاعاً عن حقوقهنّ فحسب، بل ويَقُمنَ أيضاً بريادة النضال الاجتماعي في سبيل الحرية والديمقراطية. تتجلى هذه الحقيقة في كردستان والسودان وأفغانستان وبيلاروسيا وتشيلي وغيرها الكثير من البلدان والمناطق. بالتالي، فإن الهجمات التي تستهدف النضال النسائي في سبيل الحرية والمساواة، والسياسات التي تهدف إلى حصر النساء في القوالب الجندرية النمطية التقليدية، والعقليات التي تعمل على كسر إرادة النساء من خلال إبادتهن؛ إنما تهدف جميعاً إلى القضاء على الريادة النسائية للنضال الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين

إن التحول الراهن في قضية حرية المرأة بتَمَوضُعِها البارز في مركز النضالات الاجتماعية يَعود إلى رمزيتها وكُلَّيّتها. ذلك أن نضال حرية المرأة يشمل كل المظلومين والمضطهَدين والمستغَلّين. كما إن طابعَه الكلّيّاتيّ يخوّله لتشكيل أوسع جبهةٍ مناهِضةٍ للنظام القائم. ويُعَدُّ بجانبه هذا نضالاً شاملاً من حيث احتضانه النضالات من أجل البيئة والديمقراطية والعدالة والمساواة والمشاركة الفاعلة. بالتالي، فلا النضال البورجوازي السائد في القرن التاسع عشر، ولا الحركات العمالية السائدة في القرن العشرين، استطاعت أن تكون شاملةً وكُلّيّةً بقدرِ ما هو عليه النضال النسائي في القرن الحادي والعشرين. من هنا، فإن النضال النسائي العالمي بطابعه هذا يتمتع بآفاقٍ كونيةٍ أكثر مما كانت عليه جميع نضالات القرون الماضية. إضافة إلى ذلك، ولأن النضال النسائي يحتوي في بنيته كل العقد الكأداء، فإنه بمقدوره أن يُوَلِّدَ حركةً ديمقراطية وبيئية وتحررية ذات آفاق عالمية. ولا يمكن إلا لنضال حرية المرأة أن يَرُودَ هكذا حركة. وقد نشأت الظروف التاريخية والبنيوية لذلك. بل حتى إن هذه الريادة تفرض نفسها كمسؤولية تاريخية على الحركات النسائية العالمية